مجلة سيوانمقالات

لقاء العدد … مع الكاتب والباحث فارس عثمان

عامر فرسو
كاتب و قاص كردي – سوريا

فارس عثمان كاتب وباحث كردي، له العديد من الكتب والدراسات التاريخية؛ حاصل على الإجازة العامة في التاريخ من جامعة دمشق سنة 1984.
ولد في مدينة قامشلو سنة 1960، وما زال يسكنها، وتسكنه؛ فهو يؤرخ لذاكرة المكان والزمان معاً، له مؤلفات يتناول من خلالها تاريخ الشعب الكردي حينما يعرض المسائل المتعلقة بالعقائد والإيمان من خلال كتابه زرادشت والديانة الزردشتية، ثم يعرج على علاقة الكرد مع الشعوب التي تشاركه أو تجاوره الجغرافيا، والمصير من خلال كتاب الكرد والأرمن، والعلاقات التاريخية، ولا يغفل الباحث الأستاذ عثمان عن إيلاء الأهمية لتاريخ الكرد في سوريا، ودورهم في الحياة السياسية والحياة العامة؛ حيث صدر له كتاب الكرد في سوريا – الجزء الأول 2019، والجزء الثاني قيد الطباعة, إضافة إلى إعادة توثيق ما تعرّض له الكرد بقراءة جديدة؛ مثل انتفاضة عامودا سنة 1937، أو تفجير قامشلو الإرهابي الذي خصص له كتابا كاملا؛ لأجل التوثيق، مع الإضاءة والتعريف بتاريخ الصحافة الكردية؛ من خلال كتابه كردستان أول صحيفة كردية، وغيرها من الدراسات والمقالات التي غدت مرجعا لطلاب المعرفة.
وكأغلب أبناء جيله لم يبتعد الأستاذ فارس عثمان عن ممارسة دوره النضالي في التعريف بقضايا شعبه الكردي، والعمل على نيل حقوقه؛ فانخرط في العمل السياسي منذ مطلع شبابه.

• الباحث والأكاديمي الأستاذ فارس عثمان! هل عمله كمؤرخ يتراوح ما بين ثنائية الحاضر الذي يكتب فيه، وبين الماضي الذي يعتبر موضوع دراسته وتخصصه، وذلك عبر العلاقة الجدلية الدائمة ما بين الحاضر والماضي؟

التاريخ هو قراءة الماضي بكل تجلياته، وفهم وتفسير الأحداث الماضية يساعد الباحث على فهم الحاضر، والتنبؤ بالمستقبل. ومن هنا لا تبدو العلاقة الجدلية ثنائية؛ بل ثلاثية بين ماض لا وجود له؛ نتكئ عليه لاستخلاص القيم والعبر منه، وحاضر – نعيشه بكل تفاصيله- يستند على الماضي، وينزاح رويدا نحو المستقبل. ومستقبل آت بعد حين، نسعى للتخطيط له بدقة، ومهمة الباحث التاريخي هو الربط بين هذه المنطلقات بشكل موضوعي؛ اعتمادا على مجموعة من الوثائق والمصادر والمراجع التي تساهم جمعيا من خلال منهجية علمية دقيقة في بلورة صورة الحدث أو موضوع البحث التاريخي.

• المكان باعتباره بُنية حسية مرئية ملموسة، والزمان باعتباره بُنية معنوية تدركها الأذهان؛ فما هي نوعية العلاقة ما بين المكان والزمان في رأيكم، والتي تظهر في أعمالكم البحثية؟

هناك علوم أخرى تساعد التاريخ كعلم منها: كعلم الجغرافيا “المكان”، وعلم التوقيت “الزمن”، وعلم اللغات أو الألسن، وعلم الآثار، وعلوم أخرى…
وبالعودة إلى سؤالك؛ فالحادث التاريخي سواء على مستوى الفرد، أو الجماعات الإنسانية يسجل دائما بإحداثيات مزدوجة ومترابطة وهي إحداثيات المكان “الجغرافيا”؛ أي المحيط الجغرافي، والفترة الزمنية. لذلك لا نستطيع فصل التاريخ عن الجغرافيا، كما لا نستطيع في البحث الموضوعي الفصل بين الزمن والمكان، فالحدث مجرد حادثة إذا ما فصلت عن الزمان.
وفي البحث التاريخي لا بدّ من الانطلاق من هذه الثلاثية الجدلية، وأحاول في تناول أي بحث كردي أن أربط بين هذه العلاقة الجدلية؛ وخاصة في الحدث التاريخي الكردي؛ فمثلا في تناول تأثير الزرادشتية في المعتقدات الأخرى لا بدّ من التوقف عند الأسبقية والأقدمية التاريخية للزرادشتية.

• عندما تلتمس تنازعا ما بين عدة مصادر تتناول موضوعاً بعينه؛ يخص تاريخ شعب أو بلاد ما؛ حينها ما هي النظرية أو الرؤية التي تعتمدونها؟

قبل كتابة أي موضوع أو بحث تاريخي لا بدّ أولا من تحديد المصادر، فالمؤرخ أو الباحث التاريخي لا يخترع الحوادث التي يكتب عنها، أو يقصها على المستمعين من ذهنه أو خياله، إنما عليه أن يعيد تركيبها بشكل مماثل تماما لواقعها الماضي؛ بالاستناد على المصادر أو الوثائق، فالتاريخ يصنع بالوثائق، وحيث لا وثائق، أو مصادر لا تاريخ، ونظرا لقلة المصادر عن التاريخ الكردي؛ وخاصة الدراسات والأبحاث العلمية عن تاريخ الكرد، وكذلك سعي الدول التي تقتسم كردستان إلى طمس الآثار والوثائق التي تخص الشعب الكردي، ومنع نشرها، وتشويه التاريخ الكردي بشكل ممنهج، لذلك على الباحث أو المؤرخ الكردي التحري والتدقيق في مصادره بالاعتماد على منهجية البحث العلمي التاريخي، وتحليل المصادر والمراجع التاريخية التي يعتمد عليها، من خلال التحليل والتركيب المنطقي للحدث التاريخي.

• كتب الديانات السماوية في حال ما اعتبرت مصادر ومادة تاريخية، ألا يقودنا ذلك إلى نفي القدسية عنها؛ لأنها ستكون عُرضة للنقد والتفنيد والمقارنة مع الرموز والنقوش في علم الآثار.

لا تعتبر الكتب الدينية مصادر تاريخية، وإن احتوت بعض الحوادث التاريخية، ومن أهم الكتب الدينية التي يمكن الرجوع إليها تاريخيا “التوراة” التي تؤرخ لبعض الأحداث التاريخية بحكم قدم تدوينها تاريخياً، ولكنها لا تعتبر مصدرا تاريخيا؛ لأنها تمزج بين الموضوع التاريخي والنص الديني، وسير بعض الشخصيات في هذه الكتب لا تعتبر وثائق تاريخية، لأنها تجردها أحيانا من الزمان والمكان، والهدف منها هي غالبا العظة. لذلك يتوخى الباحث التاريخي الكثير من الدقة في الاعتماد على الكتب التي تسمى سماوية كـ “التوراة والإنجيل والقرآن”، ولكن هذا لا يعني استبعاد الكثير من الكتب الدينية كالسير والتراجم والأنساب، وغيرها من النصوص التي تتناول بعض الجوانب التاريخية ككتاب فتوح البلدان.

• مسألة تحول الشعوب إلى الإسلام بالإكراه تناولته مقاربات مختلفة من المستشرقين، ففي حين يذهب توماس أرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) للقول إن الجيوش الإسلامية التزمت بالعقيدة الأخلاقية والقتالية في نشر دعوة الدين الإسلامي. يذهب المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت للقول: (إن الغزو الـ محمدي للهند هو على الأرجح أكثر القصص دموية في التاريخ)؛ وعليه من خلال قراءتكم للتاريخ فيما يخص شعوب المنطقة عموما، والشعب الكردي خاصة، كيف تحولوا للدين الإسلامي؟ بحد السيف! أم بالإقناع والحجة؟

اختلف الباحثون والمؤرخون حول ماهية الحروب الإسلامية؛ فقد اعتبرها البعض فتوحات، ونظر إليها البعض على أنها غزوات، واحتلال للمناطق الأخرى، ولا زال هذا الاختلاف والانقسام قائما حتى الآن، وحول تحول الكرد إلى الإسلام.
لا بدّ في البداية من الإشارة إلى أن غالبية الكرد كانوا زرادشتيين، وقسم منهم من الإزيديين، والبعض من أتباع ماني ومزدك، وهي فرق من الزرادشتية، وبعض الأديان والمعتقدات الأخرى، وقد عامل المسلمون الزرادشتيين ((الذين سموا بالمجوس)) معاملة أهل الكتاب، وذلك بناءً على أوامر الخليفة عمر بن الخطاب الذي اعتمد على حديث روي له فقال: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) – أي اليهود والمسيحيين – وتم فرض الجزية عليهم، وقد انتشر الإسلام بين الكرد من الزرادشتيين، وخاصة العامة على مراحل وبالتدريج، بالطريقتين معاً؛ أي بـ (حدّ السيف والإقناع والحجة)، وقد ساعد على ذلك عدة عوامل منها:
1 – ابتعاد الزرادشتية عن جوهرها النقي، وتحولها إلى ديانة رسمية للدولة، تحقق أهداف الملوك وطغيان رجال الدين ومصالحهم بالدرجة الأولى، وتسرب الكثير من المفاهيم والطقوس الغريبة إليها، وقد خلق ذلك التباساً وإشكالا بين الزرادشتيين، الذين كانوا يخفقون في التوفيق بين الطقوس الدخيلة، والنصوص المقدسة التي تعارض ذلك صراحة.
2 – إهمال كبار رجال الدين (الزرادشتي) لأمور الدين، وأحوال المعابد، وشؤون صغار رجال الدين، وانشغالهم بالصراع الدائر على الحكم، ومنافسة النبلاء على السلطة والأملاك، مما أدى إلى تسرب الفوضى إلى صفوف (صغار رجال الدين)؛ الذين أهملوا هم أيضاً واجباتهم الدينية، وانصرفوا عن التحصيل العلمي والمعرفة إلى الاهتمام بمصالحهم الخاصة، مما خلق فراغاً وجهلاً بين الرعية، الذين أخذوا يتضايقون جهاراً من كثرة الطقوس والمراسيم الدينية التي أصبحت تشكل عبئاً إضافياً إلى جانب أعباء الحياة الأخرى.
3 – ركزت الدعوة الإسلامية على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وعدم التفرقة بين السكان بسبب الجنس واللون، وعدم الاعتراف بالتقسيمات الاجتماعية والطبقية بين الرعية، واعتبار جميع المسلمين سواسية في الدين، فكان الدخول إلى الإسلام فرصة للتخلص من التمييز والتفرقة والتقسيم الطبقي، وبالتالي فرصة للوصول إلى المناصب الجديدة في الدولة.
5 – رفع المسلمون شعار “أسلم تسلم”، أو دفع الجزية التي كانت علامة للصغار والإذلال (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، وبالتالي التخلص من الجزية السنوية التي فرضت عليهم، والتي كانت تسقط بالإسلام.
مع الإشارة إلى أن قسماً من الزرادشيين حافظوا على دينهم، وبقيت بعض معابدهم حتى أواخر القرن العاشر الميلادي – الرابع الهجري – في بلاد فارس، ومعظم إقليم الجبال (أي في كردستان)، كالأمير سامان أمير بلخ، وكان زرادشتياً في أواخر العهد الأموي، الذي أسس أحفاده الدولة السامانية /874-999م/، وفي تلك الفترة أيضاً أسلم البرامكة، وكان جدهم برمك سادناً لبيت النار.
وإذا كان الإسلام قد انتشر بين الزرادشتيين، وإن على فترات طويلة، إلا أنه وبالمقابل، لاقى مقاومة شديدة من قسم من المتشددين الذين رفضوا اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، وعندما وجدوا استحالة المقاومة، والحفاظ على ديانتهم، هاجروا إلى الهند، واستوطنوا مقاطعتي سانغانا وكوجارات، وقد ثبتوا على عقيدتهم وسط الموزاييك الهندي، وعرفوا هناك، ولا يزالون باسم (البارسيين)، ويقدر عددهم حالياً بحوالي 100 ألف، وهم يمارسون طقوسهم وشعائرهم وفق العقيدة الزرادشتية.
مع احتفاظ الإزيديين بديانتهم الإزيدية، وهي ديانة كردية كرمانجية رغم الاضطهاد الذي تعرضوا إليه خلال تاريخهم الطويل.

• “زرادشت والديانة الزردشتية”، هذا العنوان يهم القارئ في كل البلدان؛ برأيكم ما هو الأثر الخاص الذي تركته الديانة الزرادشتية في الفكر الإنساني؟

إن تأثير زرادشت والديانة الزرادشتية في الفكر والفلسفة والمعتقدات والديانات الأخرى، يجب أن يناقش أولاً في إطاره الزماني والمكاني، وألّا نحملهما أكثر من حجمهما، مع أهمية عدم إغفال الدور الهام لهما، والتأكيد على الأسبقية الزمنية لأية فكرة أو معتقد، وفي هذا المجال يؤكد معظم الباحثين على الدور الهام للزرادشتية، في مجال الرقي الفكري والديني، وحتى كفلسفة متطورة، ويقول الفيلسوف اليوناني أفلاطون ((إن زرادشت من أعظم الحكماء القدماء، وكان له تأثير كبير على بلاده وعلى تاريخ المنطقة))، وقد قال روجيه غارودي عن زرادشت: ((هذا الثوري، هذا النبي، ربما كان الأعظم في جميع العصور… هو الرائد الممهد لكل حياة جديدة، عندما يتصرف الإنسان كمسؤول عن الخلق)). بينما قال الفيلسوف الألماني نيتشه، صاحب كتاب “هكذا تكلم زرادشت”: ((كان عليّ أن أحيي زرادشت، ذلك الإنسان المهيأ، الذي يحدد القيم لآلاف السنين)).
وتذهب بعض المصادر التاريخية إلى أن العالم الرياضي فيثاغورس، الذي كان له دور كبير على الفكر الديني الإغريقي، اعتنق الديانة الزرادشتية، وإذا عرفنا أنه حكم بالموت على الفيلسوف سقراط، لأنه خالف عقيدة قومه، متأثراً بفيثاغورس، وأن تلميذه أفلاطون كان مطلعاً على الزرادشتية ومبادئها، نجد مدى انتشار الفكر الزرادشتي في بلاد الإغريق، كما كان للزرادشتية تأثير في الاسكندر المقدوني، ومعلمه أرسطو، وفي الفكر والفلاسفة الإغريق فيما بعد، خاصة بعد سيطرة الاسكندر على المناطق التي كانت تنتشر فيها الزرادشتية.
وقد اقتبس اليهود من الديانة الزرادشتية فكرة الجنة والجحيم، والحياة بعد الموت، أما أهم فكرة اقتبسها اليهود من الديانة الزرادشتية، فهي فكرة ((المنقذ – المخلص – ساووشيان، المسيح، أو يشوع – ومعناه بالعبرانية الله يخلص))، والزرادشتيون هم أول من آمنوا بنبوة السيد المسيح، عندما اتجه بعضهم، بعد ولادته، من الشرق “أي من بلادهم” إلى القدس في عهد الملك هيرودس، الذين أخبروا الملك أنهم رأوا نجم المولود المبارك في المشرق، وتتبعوه وجاؤوا ليسجدوا له.
وقد أطلق المسلمون على أتباع الديانة الزرادشتية اسم المجوس معرباً عن كلمة مغ، أو مغوبد، أو المغان “مكوسيا” التي كانت تطلق على رجال الدين الزرادشتي، والتي وردت كذلك في التوراة والإنجيل، وبها عرفوا في معظم العصور الإسلامية.
وإذا كان غالبية المجوس “الزرادشتيين”، تخلوا عن ديانتهم، واعتنقوا الإسلام نتيجة عوامل مختلفة، إلا أنهم لم يتخلوا عن كل معتقداتهم وطقوس ديانتهم، ففهموا الإسلام بالقدر الذي يسمح به دينهم القديم، وسرعان ما أضفوا تلك الأفكار على الدين الجديد، ولم تمض فترة طويلة حتى تجلى هذا التأثير في ظهور بعض الفرق الإسلامية المتأثرة بشكل واضح بالزرادشتية، وفي مقدمتها القدرية والكيسانية والراوندية وغيرها. وكانت القدرية التي سميت فيما بعد بالمعتزلة، من أشهر الفرق الإسلامية، وكان لها تأثير كبير في تطور الفكر الحرّ في الإسلام، ومن الفرق الأخرى التي تأثرت بالزرادشتية، فرقة أهل العدل والتوحيد التي آمنت بفكرة المهدي المنتظر ((وهي فكرة زرادشتية، من فكرة المخلص ساووشيان)).
ونظراً لتشابه بعض الشعائر والطقوس الإسلامية والزرادشتية كعدد الصلوات، فهي في كلا الديانتين الإسلامية والزرادشتية خمس، والإسراء والمعراج، وإقامة شعائر الميت لمدة ثلاثة أيام، وغيرها من الشعائر المتشابهة، استند قسم من المفسرين على بعض المفاهيم الزرادشتية لشرح بعض المفاهيم والأحاديث النبوية، كتفسير مصطلح الصراط: وقد جاء تفسير الصراط لدى عدد من المفسرين على أنه جسر ممدود على متن النار، أحدّ من السيف وأدقّ من الشعر، فمن كانت أعماله في الدنيا صالحة اطمأن سيره عليه، وعبره إلى الآخرة بسلام، أما من كانت أعماله غير صالحة فيضطرب ويسقط في نار جهنم، وهذا التشبيه مشابه تماما لجسر جينفات “جسر الامتحان، المفصل” في الزرادشتية، كما استند آخرون على الوصف الزرادشتي للجنة وجهنم خلال إسراء زرادشت والناسك ارده ويراف لوصف الإسراء والمعراج، علماً أنه لم يصف ذلك بالتفاصيل التي يذكرها المفسرون المتأخرون خاصة.
كما كان للزرادشتية تأثير واضح في بعض الطرق الصوفية، وخاصة على السهروردي، مؤسس فلسفة الإشراق، والذي حاول التوفيق بين الزرادشتية والإسلام.

• المؤرخ المشرقي أبو الحسن المسعودي (القرن العاشر الميلادي)، والمؤرخ المغربي ابن خلدون (القرن الرابع عشر الميلادي)؛ كلاهما تناولا التاريخ بعمومية الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية؛ بمعنى تلك المقاربة الشمولية لتناول التاريخ؛ هل لدى الباحث فارس عثمان مشروع تدوين للحاضر في هذا المنحى العام لشمولية التأريخ فيما يخص أحداث المنطقة؟

أنا مهتم بشكل رئيس بالتاريخ الكردي، ولأن الحدث التاريخي مرتبط بالدرجة الأولى بالجغرافيا، ونظرا لتداخل التاريخ والجغرافيا الكردية مع تاريخ وجغرافيا المنطقة؛ بحكم تجزئة كردستان إلى أربعة أجزاء، لذلك لا بدّ من دراسة الحدث أو المادة التاريخية دراسة عامة وشاملة أولا، مع التركيز على تسليط الضوء على التاريخ الكردي، فلا يستطيع الباحث أن يكتب عن الكرد في أي جزء من أجزاء كردستان دون التطرق إلى العلاقات مع الشعوب الأخرى التي يتعايش معها الكرد، مثلا لا نستطيع الكتابة عن المرأة الكردية دون مقارنتها بالمرأة العربية أو التركية أو الفارسية. ومن هنا لا نستطيع فصل التاريخ الكردي عن أحداث المنطقة.


• يقول ابن خلدون : “إنّ الصُوَر الحسيّة أقرب إلى الارتسام في الخيال من المعاني المتعلقة”.
كدارس وباحث في التاريخ، ما هو دور الخيال والتصوير في أعمالك؟

نعيش الآن في عصر الصورة، حيث تحولت الكرة الأرضية إلى شاشة صغيرة؛ تعكس الصور الدقيقة حتى ذات الأبعاد الثلاثية، والصورة تلتصق بالذاكرة أكثر من الكلمة، أو النص المقروء، أو المكتوب، وفي التاريخ لا مكان كبير للخيال لتفسير الحدث التاريخي، بعكس الأدب الذي يعتمد أحيانا على الخيال، أما التصور أو “التصوير” فلا بدّ منه، فهناك العديد من الثغرات في بعض الحوادث التاريخية؛ خاصة القديمة، لذلك لا بدّ للباحث من أن يلجأ إلى التصور؛ لترميم هذه الحوادث التاريخية، وربطها ببعضها البعض لتفسير الموضوع بشكل علمي أقرب إلى الحدث.

• إحدى أنواع الروايات الأدبية هي الرواية التاريخية؛ برأيك هل بإمكان الكاتب الروائي أن يؤرّخ لمرحلة ما من خلال روايته بموضوعية وحياد الباحث؟

الرواية التاريخية هي مزيج من الحدث التاريخي، والخيال، وسرد بعض القصص والحكايات بأسلوب روائي؛ استناداً إلى بعض المعطيات التاريخية، ويلجأ الروائي إلى سرد القصة التاريخية بأسلوب سهل ومبسط، بعيدا عن المراجع والمصادر التاريخية، حيث تتداخل الشخصيات التاريخية مع بعض الشخصيات المتخيلة، لإضفاء نوع من التشويق على النص، ونظراً لحاجة الرواية إلى الحبكة؛ لذلك لا يستطيع الاعتماد على المصادر والمراجع بشكل ممنهج، لأنه يهتم أكثر بالقصة أو الحبكة الروائية، ويحاول الكاتب الروائي التوفيق بين الأمانة التاريخية والفن القصصي والروائي، وقد نجح بعض الباحثين كجرجي زيدان في تقديم قصص وروايات تاريخية جيدة، ولكنها لا تعتبر نصوصاً تاريخية موثقة.

• المفكر الألماني والتر بنيامين يقول: (التاريخ لا يكتبه سوى المنتصرين)، والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت يقول: (إن معظم التاريخ درب من التخمين، والباقي تحيز وتحامل)؛ ما هو تعريفكم الخاص للتاريخ؟ وبرأيكم من هو الذي يكتب التاريخ؟

هناك مؤرخون وكتاب غير هؤلاء أي “والتر بنيامين، وول ديورانت صاحب قصة الحضارة”، والذين أنصفوا التاريخ كعلم له أسسه وخطواته العلمية، كما سبق الإشارة إلى بعضها، ربما يصح قول أحدهما على بعض الأبحاث التاريخية، إلا العديد من المؤرخين كانت لهم بصمات في التاريخ كابن خلدون، والمؤرخ والفيلسوف الألماني شبنغلر، والمؤرخ البريطاني آرنولد توينبي، والمؤرخ الكردي الدكتور كمال أحمد مظهر، وعشرات الأسماء المماثلة التي أنصفت التاريخ، وكتبت بحيادية، وبمنهج علمي، والتاريخ هو علم: يعتمد على الوثائق المكتوبة، ويدرس النشاط الإنساني والظواهر والقضايا التاريخية التي تستند على مجموعة مختلفة من الحقائق العلمية الثابتة، وذلك عن طريق تقديم الأدلة عن المكان، أو الإنسان خلال فترة زمنية محددة.
والنص الذي يكتبه هو المؤرخ والباحث الموضوعي الهدف الرئيس منه هو الكشف عن الثقافات المختلفة، وتقييم المؤسسات المعاصرة، إضافةً إلى توفير نظرة منطقيّة للطبيعة البشريّة، والحضارة الإنسانيّة.

• بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على ما عُرف بالجلاء الفرنسي عن سوريا، سنة 1946؛ وفي الأحداث التي سبقتها خلال فترة الانتداب، كان الكرد حينها منقسمين بين تيارين؛ التيار الوطني، والذين كانوا على علاقة جيدة مع زعماء الكتلة الوطنية في دمشق وحلب، والتيار الآخر المعارض، والذين أُطلق عليهم لقب (الفرنساوية)؛ نتيجة لعلاقاتهم المتميزة مع الفرنسيين؛ اليوم كنتيجة غير مباشرة لتداعيات تلك المرحلة، ومن وجهة نظركم كباحث في تاريخ الكرد في سوريا، أي التيارين تجدهما كان صائباً في توجهاته.

في البداية، وخلال دراسة هذه المرحلة التاريخية لا بدّ من التوقف عند الانقسام الشاقولي، وبنسب مختلفة في المجتمع السوري بين التيارين الذين أشرت إليهما، وهما التيار الوطني والفرنساوية، ولا نستطيع الآن أن نحكم عليهما من منظور الواقع الحالي؛ أي أيهما كان على صواب، رغم أن القاعدة الشعبية والجماهيرية العريضة للتيار الوطني، ومن سمّوا بالفرنساوية لجأوا إلى ذلك؛ وخاصة في الجزيرة السورية؛ للحصول بعض الحقوق بالاعتماد على الشعارات التي رفعها الفرنسيون في سوريا، وهي الحرية والإخاء والمساواة، وكدولة منتدبة جاءت لمساعدة البلدان الضعيفة المتأخرة على النهوض حتى تصبح قادرة على أن تستقل، وتحكم نفسها بنفسها، وبعد توصل الحكومة الوطنية في دمشق وسلطات الانتداب الفرنسي عام 1936 إلى اتفاقية تضع الخطوط الأساسية للاستقلال، وتضمن حقوق الدروز والعلويين، دون أية إشارة إلى حقوق الكرد أو السريان والآشوريين في البلاد، وقد نظم وجهاء الكرد والمسيحيين في منطقة الجزيرة مذكرة تضمنت مطالبهم من سلطات الانتداب الفرنسي؛ وقع عليها أكثر من مئة شخصية من رؤساء العشائر والمخاتير والتجار الكرد والسريان والآشوريين، سلمها الدكتور كاميران بدرخان وحاجو آغا باليد إلى المندوب السامي الفرنسي في بيروت، على أن يتم إرسال نسخة منها عن طريق وزارة الخارجية الفرنسية إلى عصبة الأمم. جاء فيها: ((نحن سكان الجزيرة من مسلمين ومسيحيين، ننتمي إلى العرق الآري وإلى الأُمة الكردية، التي وبالنظر إلى تاريخها، أصلها، عاداتها وتقاليدها تشكل خصوصية كاملة، وقائمة بحد ذاتها، وتشكل مقارنة بالسوريين في الداخل مجموعة متميزة. ولما كان سكان جبل الدروز والاسكندرونة، وكذلك العلويون ينعمون بعطف حكومة الانتداب، فإننا نسمح لأنفسنا أن نلتمس من فرنسا أم الحضارة والنور، أن تعترف لنا بإدارة خاصة مناسبة لمنطقتنا، وذلك لضمنان حقوق سكان الجزيرة…)).
وطالبوا: بـ تعيين المسؤولين من أبناء المنطقة بما فيهم نواب البرلمان، وأثناء المباحثات السورية الفرنسية تم نقل محافظ الجزيرة؛ الشخصية الوطنية الكردية نسيب الأيوبي الذي كان متفهما لقضايا ومشاكل المنطقة، من الجزيرة إلى درعا، وتعيين الأمير بهجت الشهابي بدلاً منه، وفور وصول المحافظ الجديد قام بسلسلة من الإجراءات بهدف تعريب المنطقة بتطهير ((الجهاز الإداري في الجزيرة من الموظفين المحليين السريان والأرمن، و”تعريبه” بالاستعاضة عنهم بموظفين عرب حلبيين)). وبدلا من وقوف فرنسا إلى جانب هؤلاء الذين سمّوا بالفرنساوية قامت بمساعدة التيار الوطني.
وقد شارك الكرد بفعالية في معظم الثورات الوطنية ضد الانتداب الفرنسي، لا بل قادوا بعضها؛ كانتفاضه بياندور 1923، وثورة إبراهيم هنانو، وثورة آل الدندشي في تل كلخ، وكان لهم دور بارز في الثورة السورية الكبرى، ومن أبرز قادتها الكرد أحمد الملا.

• أوليتم أهمية لتاريخ الكرد في سوريا، وقد صدر لكم كتاب الكرد في سوريا – الجزء الأول 2019، وهذا ما يشير إلى وجود جزء ثانٍ، أو أكثر؛ ما هي الحقب التاريخية التي تناولتموها؟ وما هي الأسباب المباشرة التي كانت الدافع وراء إعداد وتوثيق موضوع بهذه الأهمية، لا يخص الشعب الكردي وحده فقط، بل يخص الشعب العربي، وبقية الشعوب الجارة للكرد في المنطقة من سريان وأرمن وتركمان.

الكتاب جهد سنوات طويلة من التوثيق، ونشر بعض فصوله في المجلات والمواقع الالكترونية المختصة، والجزء الأول يوثق للفترة الممتدة بين أعوام 1920 – 1946، أي خلال فترة الانتداب الفرنسي، والثاني يشمل الفترة بين أعوام 1946 – 2000، والكتاب يسلط الضوء على دور ومساهمة الكرد في بناء الدولة السورية منذ تأسيسها عام 1918، ولغاية الاستقلال 17- نيسان 1946، والدور الوطني للكرد في مقاومة الانتداب الفرنسي، ومن ثم أهم النشاطات الكردية والجمعيات والنوادي والمجلات التي أصدرها الكرد خلال هذه المرحلة، أما الجزء الثاني فيشمل الاضطهاد الذي تعرض له الكرد على يد الحكومات التي تعاقبت على الحكم، وسياسة التهميش والإقصاء والتعريب والمشاريع العنصرية التي طبقت بحق الكرد.
وقد صدر الجزء الأول، وآمل أن يصدر الجزء الثاني قريبا.

• “تفجير قامشلو الإرهابي / وقائع وتوثيق”؛ العنوان يوثّق لذاكرة مدينة تقاسمت الكثير من الوجع مع بقية المناطق الكردية، والسورية التي عانت من عدوان التنظيمات الإرهابية بعد سنة 2011 من الحراك السوري؛ هل التوثيق شمل كافة تفاصيل التفجير وتداعياته، أم أقتصر على بعض الجوانب، فما هي أسباب ذلك؟

في (تفجير قامشلو الإرهابي) كما أشرت يحاول الكتاب توثيق كافة تفاصيل التفجير الإرهابي، وتنفيذ الجريمة. وأسماء الشهداء. وغالبية أسماء الجرحى. والأضرار المادية. وصور مختارة من مكان التفجير، بالإضافة إلى انطباعات مجموعة من المثقفين والكتاب حول هذا التفجير الإرهابي، مع مقدمة عن الكرد في سوريا والإرهاب، وأحاول أن أترجمه إلى اللغة الانكليزية، ونشره كوثيقة إدانة ضد الإرهابيين الذين يستهدفون الكرد ولا يزالون، اعتمادا على تحريض شوفيني وعنصري وبعض الفتاوي الدينية.

• هل لديكم أي أعمال توثيقية بخصوص المدن التي تعرضت لعدوان الدولة التركية (عفرين، كره سبي / تل أبيض، سره كانيه / رأس العين)؟
هناك مخطط بحث، ومواد أولية بعنوان (العدوان التركي على سري كانيه 2019) أتمنى أن أتفرغ له قريبا لإعادة صياغته، وأعتقد سيكون كوثيقة إدانة كردية ودولية للعدوان التركي على سري كانيه وتل أبيض، ويتضمن مخطط البحث: السياسة التركية وأهداف العدوان، وعمليات التضليل التركية، ونتائج وتداعيات هذا العدوان ومواقف العالم من العدوان.

• كتابكم “الكرد والأرمن والعلاقات التاريخية”، وفيما يخص الأساليب التي أتبعها الباب العالي في الدولة العثمانية، وكذلك حزب الاتحاد والترقي للإيقاع ما بين الكرد والأرمن؛ إلى أي مدى تجدون أن دولة تركيا الحالية متمثلة بسياسات حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان تنتهج تلك السياسات لضرب شعوب المنطقة ببعضها؟

انتهجت الدولة العثمانية، ومن بعدها حزب الاتحاد والترقي والجمهورية التركية بكافة الحكومات التي تداولت على سدّة الحكم سياسة واحدة تجاه كافة القوميات التي كانت ولا زالت تعيش في كنف هذه الدولة؛ قائمة على الإنكار، ورفض أي حق من حقوقها، ولجأت إلى كافة الوسائل للإيقاع بها، والقضاء عليها، بما فيها الإبادة الجماعية، كما حصل للأرمن والكرد والسريان والآشوريين والبلغار واليونان وكافة القوميات غير التركية.
ويذكر الأمير جلادت بدرخان الذي كان يشارك في بداية الحرب العالمية الأولى في الجيش العثماني برتبة ضابط في منطقة أذربيجان، ومع الطابور العسكري الذي كان يقوده أنور باشا أحد مجرمي مجزرة الإبادة الأرمنية، وفي إشارة واضحة إلى أن الأتراك كانوا يخططون لمجزرة ضد الأرمن والكرد، فيقول: ((كنت في تلك الآونة في مدينة باكو مع طابور أنور باشا في الجبهة، وكنت قومنداناً، نجتمع على الأكل 30 أو 40 ضابطاً تركياً، ويدور الحديث بينهم على الشكل التالي: قضينا في طريقنا إلى هنا على الـ (zo)، وسيكون الدور على الـ (lo ). متى العودة؟ كان ذلك يتردد على أسماعي عشرات المرات يومياً، وكانوا يقصدون بالـ (zo) الأرمن، وبالـ (lo الكرد)).
ولم يقل حقد السلطات العثمانية، ومن ثم التركية ضد الشعب الكردي عن حقدهم ضد الشعب الأرمني، لا بل كانت السلطات العثمانية في أغلب الأحيان ((أكثر حقدا ضد الكرد)).
وقد فشلت كافة محاولات السلطات العثمانية والتركية في الإيقاع بين الكرد والأرمن؛ بدليل حُسن العلاقات التاريخية والمعاصرة بين الشعبين. وقد حاولت في كتاب الكرد والأرمن تسليط الضوء على هذه العلاقات. ولا يذكر تاريخ العلاقة بين الشعبين الذي يمتد لأكثر من خمسة وعشرين قرناً من الزمن شواهد وحوادث عن حالة العداء التاريخية بين الجانبين؛ تؤدي إلى ارتكاب المجازر الوحشية بسبب الخلافات السياسية، أو الاقتصادية، أو بسبب التعصب والاختلاف الديني.
وهناك مئات الشواهد التي تدل على عكس ما يذهب إليه هؤلاء؛ فيؤكد الباحث الأرمني البرفسور مانوفييل ارسونوفييج حسرتيان M. E. Hesretyan في أحد أبحاثه عن انتفاضة الشيخ سعيد بيران عام 1925 ((على العموم لم يكن التعصب الديني من صفات الأكراد في يوم من الأيام، ولقد كانت الكثير من العشائر الكردية تعتنق الإسلام شكلاً، ثم أن المذاهب الإسلامية تطورت بين الأكراد أولاً)).
ويؤكد ذلك الباحث الروسي ف. كردليفسكي Kurdlîfiskî F_ بالقول: ((لم يلعب اختلاف الدين بين الأكراد المسلمين والأرمن المسيحيين أي دور عبر التاريخ. وكان الأرمن يذهبون إلى مساجد الأكراد المسلمين، وكان الأكراد كذلك يذهبون إلى كنائس الأرمن)). وفي في كتابه (الأرمن شعب وقضية)، يقول صالح زهر الدين: ((لقد عاش الأرمن والأكراد في سلام ووئام على مر العصور، وكان التحالف بين هذين الشعبين القوة التي تهدد السيطرة العثمانية في ولاياتها الشرقية، حيث الأغلبية الساحقة من السكان كانت من الأرمن والأكراد)).
ومن هنا فإن سياسة أردوغان ورغم التضليل الإعلامي والشحن العنصري والشوفيني مصيرها الفشل في الإيقاع بين الكرد وبقية المكونات الإثنية التي تعيش في تركيا، وخاصة بين الكرد والأرمن.


• كناشط سياسي, وكدارس للتاريخ؛ ما هو نوع العلاقة ما بين التاريخ والسياسة من وجهة نظركم؟

هناك علاقة حميمة بين التاريخ والسياسة، فالسياسة التي أصبحت من أهم العلوم الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية، واعتبرت المدرسة الفرنسية (أن السياسة هي علم دراسة حكم المجتمعات الإنسانية (أي علم حكم الدول)، ولأن التاريخ أيضا يهتم بهذا الجانب؛ لذا لا بدّ للسياسي و(خاصة المحترف) أن يلم بالقضايا التاريخية التي تساعده على فهم الواقع السياسي، وتفسيره بشكل موضوعي، وتحقيق الأهداف استنادا على تجارب الأمم والشعوب الأخرى.
وقد ظهر مؤخرا مصطلح التاريخ السياسي الذي يدرس تاريخ تشكل وتطور الدول. والعلاقات بين السلطة والأفراد، وآليات صياغة الدساتير العصرية، والنخب السياسية، والانتخابات، وفن الحوار والمفاوضات … إلخ.

• من خلال ماذا تتحدد قيمة الوثائق التاريخية، وفي ما يخص الحاضر، متى تعتبر مادة ما وثيقة تاريخية، لا سيما في ظل الثورة الالكترونية، ووسائل التواصل والنشر السريع؟

هناك أكثر من تعريف للوثائق التاريخية “فلا تاريخ دون وثائق”، وفي العصر الحالي أصبحت الوثائق علماً يدرس، والوثائق والمستندات لها دور كبير في عملية البحث التاريخي، فعندما يقوم الباحث والدارس بجمع مادته العلمية، ومصادر بحثه، يبحث أولا عن الوثائق التاريخية لدراستها، ومعرفة ما يرتبط بها مما يريد تحقيقه.
وفي الانترنيت تم نشر ملايين الوثائق التاريخية والمكتبات الضخمة التي يمكن الاستعانة بها، ولكن هذا لا ينفي أن البعض وخاصة غير المختصين لا يستطيعون الاستفادة من هذا الكم من الوثائق، وتحليلها، لذلك ينشرون الغثّ والسمين منها، دون النظر إلى مخاطر ذلك.

• في سياق أهمية الرحلة، ورؤية المكان، والتعرف إليه في تدوين التاريخ؛ إذا ما تسنى لكم ذلك، فأي الأماكن ترغبون زيارتها، وتناول تاريخها في مؤلفاتكم؟

بصراحة أكثر الاماكن التي أتمنى أن أزورها يوما ما؛ بهدف الاطلاع عليها هي أهرامات مصر، أما الأماكن التي أرغب في تناول تاريخها فهي كردستان، ومن أهم المواضيع التي أرغب في الكتابة عنها فهي (الكرد والدين)، وهو مشروع ضخم بحاجة إلى فريق عمل، ولكن رغم صعوبة تناول الخوض في هذا المجال، أحاول الخوض في هذا الجانب.

• كلمة، أو إضاءة ما، يرغب الكاتب والباحث فارس عثمان التحدث عنها، وإيصالها للقارئ، ولكن أنا لم أتطرق لها في هذا اللقاء.

شكراً جزيلاً لمجلة سيوان على إتاحة هذه الفرصة، وهذا المساحة الواسعة من المجلة لإبداء الرأي، والتطرق إلى مواضيع وقضايا أعتقد أنها تهم القارئ الذي يرغب بالاطلاع على جوانب من تاريخ الكرد في سوريا والمنطقة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى